يهوى التوغل في دفاعات الخصوم و زيارة شباك الحراس ، انطلاقاته السريعة و انسلالاته الخاطفة أربكت الخطوط الخلفية للمنافسين و دهاءه اللافت استأثر بإعجاب الجماهير . هي سمات من بين أخرى تتوشح بها الشخصية الكروية لجناح بايرن ليفركوزن المغربي الأصل ، كريم بلعربي الذي اتخذ من الإبداع لغته الرسمية التي يحادث بها الأعداء و يُسعد بها العشاق ، حاجزا مكانه ضمن الوجوه الصاعدة إلى سماء الشهرة و النجومية .
بملامح تشي بأصوله المغربية الغانية ، و تقاسيم وجهه التي تنطق بعبارات الإصرار على التألق في الملاعب الألمانية ، طلّ الجناح الطائر على جماهير المستديرة بقميص نادي برونشفيغ الألماني الذي عبّد له الطريق إلى دخول عالم كرة القدم في صيغته الإحترافية ، حاملا في جعبته أمالا عريضة و قدرات هائلة يتسلح بها لمواجهة الصعاب التي قد تعترض سبيله صوب العالمية .
ألمانيا .. حيث تشرّب بلعربي الشغف بالكرة
خرج بلعربي إلى الوجود شهر أبريل سنة 1990 بمدينة برلين الألمانية ، من أب غاني و أم مغربية ، ليحصل تلقائيا على الجنسية الألمانية ، باعتبار ميلاده هناك ، حيث ترعرع و نشأ منذ مهده بألمانيا ، التي مارس فيها الرياضة الشعبية الأولى في العالم التي شكلت البساط الذي استقرت عليه أحلام و طموحات المهاجم الألماني .
بدأ كريم مداعبة الكرة في السنة السادسة من عمره ، حيث انخرط في الفئات الصغرى لنادي فيردر بريمن الألماني لغاية فئة الشبان ، لينضم بعدها إلى نادي أوبيرنولاند سنة 2007 و من ثم إينتراخت برونشفيغ الذي زاول في فريقه الرديف ، حتى تمكن من مجاورة الفريق الأول و انتزاع مكان أساسي داخل صفوفه .
الرسمية التي اقتنصها المغربي الأصل في برونشفيغ أسفرت عن تقديمه لأوراق اعتماده ، إذ أنهى موسمه بثمانية أهداف و 16 تمريرة حاسمة ، ما جعل الباب يُفتح أمامه بمصراعيه للإنضمام إلى المنتخب الألماني لأقل من 20 سنة ، و الدخول بذلك ضمن دائرة اهتمام جملة من الأندية الألمانية التي تحركت محاولةً الظفر بخدمات اللاعب الألماني الجنسية ، قبل أن يحسم بايرن ليفركوزن ذاك الصراع الحامي الوطيس و يفوز بتوقيع بلعربي صيف 2011 .
بايرن ليفركوزن .. انطلاقة المغربي الأصل نحو الشهرة
" لا أضع نفسي تحت الضغوط ، أسعى للعمل الجاد و بذل أفضل ما لدي . ذلك سيكون شاقا قياسا إلى قيمة لاعبي فريقي القادم ، لكنني صبور " ، هكذا تحدث بلعربي قبل انتقاله بأشهر إلى بايرن ليفركوزن ، مُبرزا الوصفة التي انصرف إلى العمل بها لبلوغ النجاح و فرض إسمه داخل النادي الألماني ذو التاريخ العريق و الإسم الرنان .
أول موسمين للهداف المغربي الأصل مع ليفركوزن ، شكلا المرحلة التي احتك فيها اللاعب مع أجواء البوندسليغا و خَبِرَ الإيقاع المرتفع ، ذلك أنه لم يُشارك إلا في مباريات معدودات مع فريقه سواء في الدوري الألماني أو دوري أبطال أوربا ، بيد أنها كانت كفيلة بإفصاح بلعربي عن نواياه في البروز ، بعدما نجح في هز شباك برشلونة ، خلال المقابلة التي دارت بين الفريقيْن بملعب الكامب و شهدت اكتساح البارسا لنادي ليفركوزن بسبعة أهداف مقابل هدف .
اعتلاء المدافع الفنلدني السابق ، سامي هيبيا للعارضة الفنية للنادي الألماني ، صيف 2013 قذف باللاعب المغربي خارج الفريق مُتجها على سبيل الإعارة إلى ناديه السابق ، برونشويغ الذي استعاد فيه ذاكرة التألق بمشاركته في 20 مقابلة و تسجيله لثلاثة أهداف مقابل أربعة تمريرات حاسمة ، لتُسعفه هذه الحصيلة في العودة إلى صفوف ليفركوزن بداية الموسم .
المدرب القادم من سالزبورغ النمساوي إلى ليفركوزن هذا الصيف ، روجر شميت ما كان ليُهدر فرصة الإحتفاظ بلاعب زاخر بمؤهلات مهمة من طينة بلعربي ، حيث اعتمد عليه أساسيا في الوديات التي أهّلته لخوض مقابلة بوروسيا دورتموند كرسمي ، و التي فجر فيها المغربي الأصل موهبته و ترجمها إلى هدف و تمريرة ، جعلت منه أفضل لاعب في اللقاء بعد قيادة ناديه إلى الفوز بهدفين نظيفين على النادي الفيستيفالي .
من مركز المهاجم إلى الجناح .. الطفرة التي طبعت مشوار بلعربي
رغم المستويات المميزة التي يبصم عليها اللاعب الألماني الجنسية في مركز الجناح الأيسر ، غير أنه لا يُعتبر قديم عهدٍ بهذا المركز ، بعدما باشر مسيرته الإحترافية شاغلا مركز قلب الهجوم ، قبل أن يقرر مدرب إينتراخت برونشفيغ الإعتماد عليه في الأجنحة و كمهاجم ثانٍ في بعض الأحيان .
هنا يصرح بلعربي بالقول : " كنت مهاجما من قبل ، في الوقت الحالي ألعب في الأجنحة و وسط الميدان . مدربي في تلك المرحلة ارتأى اعتمادي كجناح و الإستفادة من سرعتي على النحو الأمثل ، إنني مع هذا الإختيار " ، مُضيفا : " في وسط الميدان بوسع فريقي الإستفادة أكثر من قدراتي ، يُمكنني المراوغة في الأطراف ، كما باستطاعتي أن أكون حاسما " .
كريم محط صراع بين ثلاثة أطراف ، لمن تؤول خدماته ؟
في ظل بزوغ نجمه في سماء الدوري الألماني ، يجد اللاعب البالغ من العمر 24 سنة نفسه أمام مفترق طرق سيقوده إما لتمثيل المنتخب المغربي بحكم أصول والدته المغربية ، أو المنتخب الغاني نظرا لانحدار والده من بلاد النجوم السوداء ، أو حتى الماكينات الألمانية ، حيث وُلد اللاعب و ترعرع حتى وصل إلى الممارسة في البوندسليغا .
بوادر السباق على خدمات بلعربي لاحت حتى قبل أن يطفو على سطح الشهرة ، إذ بادرت الجامعة الغانية مُمثلة في رئيسها ، كويزي نيانتياكي في التعبير عن رغبتها في استقطاب اللاعب إلى صفوفها ، مُستعينة في ذلك بوالده الذي اتخذته كوسيلة لإقناع كريم بتمثيل النجوم السوداء .
هنا يقول والد اللاعب المغربي الأصل في تصريح صحفي لمنبر " غانا فوتبول " : " بما أن كريم قد نشأ في ألمانيا ، فإنه يحتاج فقط لتقوية اهتمامه بألمانيا ، سنبذل قصارى جهدنا لإقناعه بتمثيل المنتخب الغاني ، لكن القرار الأخير يرجع إليه طبعا " .
الجامعة الغانية لم تكن الطرف الوحيد الذي حاول استمالة بلعربي ، حيث سبقه إلى ذلك مدرب المنتخب المغربي السابق ، البلجيكي إيريك غيريتس الذي جالس اللاعب و عمل على إقناعه بحمل قميص أسود الأطلس ، إذ يقول بلعربي في معرض تصريح أدلى به سنة 2011 : " لقد عرض علي القدوم قصد التعارف مع الفريق بالنسبة للمباراة الودية أمام السنغال " ، متابعا : " أعتزم القدوم بإذن الله " .
و رغم عدم مجاورة كريم للمنتخب المغربي قط ، غير أن إمكانية انضمامه إلى الكتيبة تظل واردة ، إن عمد محيط اتحاد الكرة إلى فتح قنوات الإتصال مع اللاعب في سبيل إقناعه بتمثيل المغرب ، و هو الأمر الذي سيلجئ إليه لا محالة كل من الإتحاد الألماني لكرة القدم و كذا الجامعة الغانية ، حيث تُمني جميع الأطراف المذكورة النفس بخطف بلعربي و ضمه إلى صفوفها ، فلمن ستؤول الغلبة ؟